خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023 م : الصوم وأثره في تربية النفس ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023 م بعنوان : الصوم وأثره في تربية النفس ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 9 رمضان المبارك 1444هـ ، الموافق 31 مارس 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الصوم وأثره في تربية النفس.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الصوم وأثره في تربية النفس ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الصوم وأثره في تربية النفس ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023 م بعنوان : الصوم وأثره في تربية النفس ، للدكتور محروس حفظي :
1 الصومُ يكسرُ حدةَ النفسِ نحو المعاصِي.
2 الصومُ يرققُ القلوبَ ويزيلُ قساوتَهَا.
3 شهرُ رمضانَ دعوةٌ لتربيةِ النفسِ نحوَ العملِ، ونفضِ النومِ، وتركِ الكسل.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023 م بعنوان : الصوم وأثره في تربية النفس ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبة بعنوان: الصومُ وأثرُهُ في تربيةِ النفسِ بتاريخ 9 رمضان 1444 هـ = الموافق 31 مارس 2023 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كمَا ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، و بعدُ ،،،
يعتبرُ رمضانُ فرصةً حقيقيَّةً لتزكيةِ النَّفسِ وتهذيبِهَا مِن كلِّ الشَّوائبِ والأضغانِ الَّتي تتعزَّزُ في النَّفسِ الإنسانيَّةِ على مدَى سنةٍ كاملةٍ، فبصومِ المسلمِ لرمضانَ يتجدَّدُ إيمانُهُ مع إحساسهِ بالعطشِ والجوعِ، فتسمُو الروحُ عن المادياتِ؛ لأنَّ الامتناعَ عن المباحِ يساعدُ بلا شكٍّ على محاربةِ أهواءِ النَّفسِ، فتنعكسُ حالةُ الصيامِ المادِي على منظومةِ حركةِ الإنسانِ الحياتيَّةِ في أفعالهِ وسلوكهِ وتعاملهِ بشكلٍ عام، وفيمَا يلِي بيانُ ذلك:
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023
1 الصومُ يكسرُ حدةَ النفسِ نحو المعاصِي.
إنَّ مِن أعظمِ الجوانبِ الأخلاقيةِ التي اشتملَ عليهَا الصومُ تزكيةَ النفسِ وتعويدَهَا على الصبرِ فللصومِ تأثيرٌ كبيرٌ في دفعِ الشهواتِ، وكسرِ حدَّتِهَا، وهو يضيقُ مجارِي الشيطان، وبالتالي يضعفُ تسلطهُ على المسلمِ، ولذا وصّى بهِ نبيُّنَا ﷺ الشبابَ الذي لا يجدُ مؤونةَ الزواجِ فعَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» (متفق عليه)، ويقولُ الإمامُ ابنُ الهُمامِ -أحدُ فقهاءِ الحنفيةِ- في فوائدِ الصومِ: «شَرَعَهُ سُبْحَانَهُ لِفَوَائِدَ أَعْظَمُهَا: سُكُونَ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ، وَكَسْرَ سَوْرَتِهَا فِي الْفُضُولِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ مِنْ الْعَيْنِ وَاللِّسَانِ وَالْأُذُنِ وَالْفَرْجِ، فَإِنَّ بِهِ تَضْعُفُ حَرَكَتُهَا فِي مَحْسُوسَاتِهَا، وَلِذَا قِيلَ: إذَا جَاعَتْ النَّفْسُ شَبِعَتْ جَمِيعُ الْأَعْضَاءِ وَإِذَا شَبِعَتْ جَاعَتْ كُلُّهَا أ.ه» (فتح القدير) .
فالصومُ إذًا يساعدُ المسلمَ على التغلُّبِ على نفسهِ الأمَّارةِ بالسوءِ التي دائمًا تدعوهُ لانتهاكِ المحرَّماتِ، والإقبالِ على الشهواتِ قالَ ربُّنَا على لسانِ امرأةٍ العزيزِ: ﴿وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، لكن الصومَ يفوتُ عليهَا الفرصةَ، فيضعفُ سلطانهَا، فلينظرْ كلُّ واحدٍ منَّا هل أثَّرَ الصومُ فيهِ أو لا؟ وهل كان رادعًا لهم عن الوقوعِ في المعاصِي أو لا؟
كما أنَّ الصومَ يدربُ المسلمَ على ضبطِ النفسِ عن النظرِ أو التطلعِ إلى الحرامِ أو التكلمِ بمَا لا يرضِي اللهَ، فهو أشبَهُ بالساترِ الذي يقِي صاحبَهُ مِمّا يضرهُ ويؤذيه، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«قَالَ اللهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» (متفق عليه)، فالصومُ قد اشتملَ على أنواعِ الصبرِ الثلاث: الصبرِ على الطاعةِ وعلى المعصيةِ وعلى قدرِ اللهِ المتمثلِ في الجوعِ والعطشِ، قالَ ﷺ: «وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ» (أحمد)، ولذا كان حظُّ الذي يرخِي لنفسهِ العنانَ، ويطلقُ لنظرهِ وجوارحهِ اللجامَ فتتناولُ ما حرّمَ اللهُ فليس لهُ مِن صيامهِ إلّا الجوعُ والعطشُ، قَالَ ﷺ:«رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ» (أحمد بسند حسن) .
أخي الكريم: إنَّ البعضَ منَّا قد يكونُ مداومًا على عاداتٍ سيئةٍ كالإسرافِ والتبذيرِ، وتضييعِ الصلواتِ، وإضاعةِ الأوقاتِ في اللعبٍ، والتسكُّعِ في الطرقاتِ، والوقوعِ في الغيبةِ والنميمةِ، والقيلِ والقال، والجلوسِ أمامَ المنكراتِ، فشرعَ اللهُ الصومَ لنَا جميعًا مِن أجلِ تربيةِ نفوسِنَا على الفضائلِ، وإعانةِ الأبدانِ على طاعةِ اللهِ، وإصلاحِ الأخلاقِ والمعاملاتِ بينَ الناسِ، ولذا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْجَهْلَ، وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَا حَاجَةَ لِلَّهِ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» (البخاري) .
فاجعلْ أخي الحبيب مِن مدرسةِ الصيامِ فرصةً للتغيرِ نحو الأفضلِ، فمَن كان مفرطًا أو مقصرًا فعليهِ أنْ يستدرَكَ ما فاتَهُ، إذ العبادةُ في هذا الشهرِ الكريمِ ليسَ كغيرهِ مِن الأشهرِ، فعَنْ سَلْمَانَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللَّهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ، وَشَهْرُ الْمُوَاسَاةِ، وَشَهْرٌ يَزْدَادُ فِيهِ رِزْقُ الْمُؤْمِنِ، مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ» (ابن خزيمة)، ومَن كان على استقامةٍ فليستكثرْ، ويسألْ اللهَ الثباتَ والدوامَ، أمَّا أنْ ينقضِي رمضانُ والمسلمُ على حالهِ كما كان قبلَهُ فهو على خطرٍ عظيمٍ، وعليهِ أنْ يقفَ مع نفسهِ وقفةً يراجعُ فيها حساباتِهِ، ويلملمُ أوراقَهُ قبلَ أنْ يأتيَ عليهِ وقتٌ يندمُ على ما فرّطَ وقصَّرَ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023
2- الصومُ يرققُ القلوبَ ويُزيلُ قساوتهَا:
إنَّ الصيامَ يرققُ القلبَ، ويجعلُهُ يتعلقُ باللهِ، ويديمُ ذكرهُ وشكرهُ، فعند سماعِ أو تلاوةِ المسلمِ للقرآنِ يتدبرهُ فتنقشعُ الغشاوةُ التي على قلبهِ قالَ ربُّنَا:﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾، وعندَ إفطارهِ يشعرُ بنعمِ اللهِ عليهِ مِن أصنافِ الطعامِ والشرابِ ويتذكرُ قولَ اللهِ: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾، وعند توزيعِ صدقتهِ على الفقراءِ والمحتاجين يرى نعمةَ غناه وفرحهِ بقولِ ربِّهِ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ فالصومُ إذًا يجعلُ العبدَ يعيشُ مع اللهِ فيذكرَهُ في نهارهِ بالبعدِ عن المعاصي أو التلفظِ بمَا لا يليقُ وفي الليلِ بالقيامِ بينَ يديهِ يرجُو رحمتَهُ ويخشَى عذابَهُ فينالَ محبةَ المنانِ، ولأنَّ كثرةَ الكلامِ فيمَا لا يُرضي ربُّنَا – عزَّ وجلَّ- يُقسِي القلوبَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تُكْثِرُوا الكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ القَلْبُ القَاسِي» (الترمذي) .
وقد أثبتَ الطبُّ الحديثُ أنَّ الصومَ يساعدُ في علاجِ الكثيرِ مِن الاضطراباتِ النفسيَّةِ، ومنهَا: التخلصُ مِن الأفكارِ السَّلبيةِ، تعديلُ المزاجٍ، ضبطُ الانفعالِ، التخلصُ مِن الغضبِ، وغيرُهَا، وللصِّيامِ علاقةٌ بالسَّلامِ وإظهارِ المحبَّةِ تجدُ ذلك في الموائدِ الرمضانيةِ فهذا الاجتماعُ اليومِي يساعدُ على الشفاءِ مِن الانطواء وعدمِ الاندماجِ مع الآخرين .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023
3- شهرُ رمضانَ دعوةٌ لتربيةِ النفسِ نحو العملِ، ونفضِ النومِ، وتركِ الكسل:
إنَّ العبادةَ والعملَ لا يفترقانِ فهما متلازمتانِ تلازمًا لا انفكاكَ لأحدهِمَا عن الآخر، فالعبادةُ ما هي إلّا عملٌ يُسعَى بهِ إلى إرضاءِ الخالقِ، وهي المقصدُ الأسمَى مِن إيجادِ الإنسانِ قالَ تعالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، والعملُ عبادةٌ؛ إذْ يحققُ معنى الاستخلافِ في الأرضِ قالَ تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾، والمستقرءُ للسياقِ القرآنِي يجدُ أنَّ اللهَ قد ربطَ بينَ العبادةِ والسعيٍ لطلبِ الرزقِ، وتحصيلِ لقمةِ العيشِ فقالَ تعالَى:﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾، لكن تجد البعضَ قد حوَّلَ هذا الشهرَ إلى حالةٍ مِن الكسلِ والتباطءِ عن العملِ، فتجد أحدَهُم يسهرُ الليلَ كلَّهُ، وينامُ النهارَ ولا يستيقظ إلّا على الإفطارِ، فهل هذا حقّقَ مقصدَ الصيامِ والغايةَ منه ؟!، وتجد البعضَ الآخرَ يذهبُ للعملِ، لكنَّهُ يصلُ متأخرًا، ويتكاسلُ عن قضاءِ مصالحِ الخلقِ بل أحيانًا يؤجلُ ويسوفُ إلى ما بعدَ رمضانَ بحجةِ أنَّ الصيامَ يتعبهُ ويرهقهُ، وأحيانًا يتعاملُ مع مَن أمامهُ بالضجرِ والضيقِ، ألَا يدرِي هذا وأمثالُهُ أنَّ الانضباطَ في مواعيدِ العملِ، وأنَّ إتقانَ ما أسندَ إليهِ مِن أعمالٍ قد جاءَ بهِ الأمرُ عن سيّدِ الخلقِ، قال رَسُول اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» (أَبُو يَعْلَى) ولأنَّ الْإِمْدَادِ الإلهٍيَّ ينزلُ على الْعَامِلِ بِحَسبِ عملهِ، فَكلُّ مَن كَانَ عملُهُ أتقنَ وأكملَ، فالحسناتُ تضَاعفُ أَكثر، وَإِذا أَكثرَ العَبْدُ أحبَّهُ اللهُ، بل أحيانًا قد تفوقُ قيمةُ العملِ، وثوابُ العاملِ قيمةَ بعضِ العباداتِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لِيُبَلِّغُ الْعَبْدَ بِحُسْنِ خَلْقِهِ دَرَجَةَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ» (الحاكم وصححه ووافقه الذهبي)، وقالَ ﷺ: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ – وَأَحْسِبُهُ قَالَ – وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ» (متفق عليه) .
تابع / خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023
فما أجملَ في هذا الشهرِ الكريمِ أنْ يسعَى المسلمُ لقضاءِ مصالحِ الخلقِ، وإنجازِ مهامِ عملهِ، فيكونُ بذلك مفتاحًا للخيرِ، مغلاقًا لأبوابِ الشرِّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ» (ابن ماجه بسند حسن)
إنّ المقصدَ الأسمَى مِن الصيامِ تحقيقُ التقوِى وهي التي تدفعُ المسلمَ إلى أنْ يقومَ بواجباتهِ، ويؤدِّى عملَهُ على الوجهِ الأكمل، والمتصفحُ في السيرةِ النبويةِ يجدُ أنَّ نبيَّنَا ﷺ لم يردْ عنه أو عن غيرهِ مِن الصحابةِ أنّهم كانُوا يتركون فيهِ أمورَ معاشهِم للتفرغِ للعبادةِ، بل يجمعُون بينَ ذلك كلّهِ في توازنٍ مُحَكمٍ يضمنُ أداءَ العبدِ ما افترضَهُ اللهُ مِن عباداتٍ، واستقرارِ العملِ والإنتاجِ بطريقةِ لا إفراطَ فيها ولا تفريط، ولذا رفضَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكونَ الصومُ حجةً لتركِ العملِ، والتعللِ بهِ، وجعله سبيلاً إلى العنتِ والمشقةٍ، فعَنْ جَابِرِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ، حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» (مسلم) .
تابع / خطبة الجمعة القادمة 31 مارس 2023
لقد حفلَ تاريخُ المسلمين الطويلُ بستجيلِ نماذجَ متعددةٍ مِن الانتصاراتِ في شهرِ رمضانَ مِمّا يؤكدُ أنَّه شهرُ الإنتاجِ والعملِ لا الخمولِ والكسلِ، ففيهِ وقعَ انتصارُ بدرٍ (2ه)، ووقعَ في رمضانَ أيضًا فتحُ مكةَ (8ه) الذي ضربَ فيهِ رسولُنَا ﷺ أروعَ الأمثلةِ في الصفحِ والعفوِ عن المسيئين، وهناكَ موقعةُ البويبِ (13ه) التي حدثتْ في عهدِ عمرَ بنِ الخطابِ، وقد وقعتْ على ضفافِ نهرِ الفراتِ في بلادِ فارس، بوصيةٍ مِن أبي بكرٍ الصديق رضي اللهُ عنهما، وكان قائدُ المسلمين المثنَّى بنَ حارثةَ، وانتصرَ المسلمون على الفرسِ، وارتفعَ فيها لواءُ الإسلامِ.
وفي رمضانَ عام (658هـ) دارتْ رحِى معركةِ عينِ جالوت على أرضِ فلسطين، وكانت هذه المعركةُ بينَ المسلمين المماليكِ بقيادةِ قطز، وبينَ المغولِ الذين عاثُوا في الأرضِ فسادًا، وكان النصرُ حليفَ المسلمين، وكسرَ القائدُ المظفرُ قطز حاجزَ الخوفِ وهزمَهُم شرَّ هزيمةٍ.
لقد فهمٍ الأوائلُ أنَّ رمضانَ شهرُ عملٍ وعبادةٍ لا شهرُ نومٍ وكسلٍ، وأنَّهُ لا تعارضَ اطلاقًا بينَ مفهومِ العبادةِ وبينَ السعيِ والضربِ في الأرضٍ طلبًا للرزقِ، بل فِعْلُ هذا داخلٌ بالضرورةِ تحتَ العبادةٍ، ولا ينكرُ ذلك إلّا جاهلٌ جهولٌ لا يعرفُ مِن الدينِ سوى القشورِ، ولا يدركُ المقاصدَ الشرعيةَ والأهدافَ الساميةَ للعباداتِ،
وأعظمُ معركةٍ وقعتْ في العصرِ الحديثٍ حربُ أكتوبر المجيد الذي وقعتْ في العاشرِ مِن رمضانَ عام (1393هـ) السادسِ مٍن أكتوبر 1973م حيث التقَى المصريون مع العدوِّ الغاشمِ على أرضِ سيناءَ الحبيبةِ، فهَزمَ الجيشُ المصريُّ العظيمُ هذا المحتلَّ، واستردُّوا أرضَهُم، وحموا عرضَهُم، ورفعوا رايةَ بلادِهِم عاليةً خفاقةً، وما زالَ الجيشُ المصريُّ على العهدِ باقيًا وسيظلُ كذلك إلى أنْ يرثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليهَا رغمَ كيدِ الكائدين، وأبواقِ المفسدين .
وخيرُ انتصارٍ يحققهُ المسلمُ في شهرِ رمضانَ أنْ ينتصرَ على شيطانهِ ونفسهِ بحيثُ يروضُهَا ويهذبُهَا على قبولِ الخيرِ وما فيهِ النفعُ في العاجلِ والآجلِ، ويقلعَ عن شهواتهِ المحرمةِ، وعاداتهِ السيئةِ قالَ ربُّنَا: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ فيكون مِمّن فازَ وسعدَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ النَّاس إِنَّمَا الشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ» (ابن حبان، وإسناده صحيح على شرط مسلم) .
اللهُمّ إنَّا نسألُكَ أنْ تحفظَ دينَنَا الذي هو عصمةُ أمرِنَا، ودنيانَا التي فيها معاشُنَا، وآخرتنَا التي إليها مردنَا، وأنْ تجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ توفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر الشريف
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف